16 - 08 - 2024

تعا اشرب شاي| صراع فى النيل.. على طريقة الكوميدى خليل

تعا اشرب شاي| صراع فى النيل.. على طريقة الكوميدى خليل

ذات يوم قررت أن أفاجئ أحمد إبن أختى منال، برحلة نيلية يغيظ بها أقرانه من العيال - لم يكن قد تجاوز الثالثة  بعد، ولكنه كان مولعا بمشاهدة المراكب على صفحة النيل الممتد - ورغم أنه لم يكن قد إلتحق بالمرحلة الإبتدائية، إلا أنه قد ظهرت عليه مبكرا ميوله الإجرامية - وخشينا أن ينحاز لأفكاره ويميل ، فَيُضْبط متلبسا بسرقة مركب فى عرض النيل - وقد يحملها أيضا بعمالة مصرية، ليلحقها بالعمل فى دولة الصومال الإفريقية - وكان أخوه عليًا، لم يزل فى المهد صبيا.

إصطحبت منال وأولادها إلى مرسى قريب من بيتى، ولم أكن أعرف لحظتها أننى أقترب من نهايتى، فهناك عند المرسى ، وجدت فى إنتظارى  كارثة، فتحة فى السور توفض إلى درج حجرى، ثم يصل المركب بالدرج ممر خشبي - حاولت مرة ومرتين أن أنزل وكدت أن أتركهم وأستنْدِل - ولكنى وجدت حفاوة وتشجيعا من أصحاب المركب ، منعتنى من أن ألطم أو أندب، فقد أصر الرجال على حمل الأطفال، ثم نزلت منال، أما نزولى فكان من المحال، فقال أحدهم : إيدك يا ضكتورة "بحرج", فإستجبت بعد تردد لعل الله يأتى من عنده بالفرج، ونجحت أخيرا فى عبور الدرج، وبقى الممر الخشبى أمامى كخط بارليف ، بالنسبة لعيل توتو لا يعرف الجعضيض من البلوبيف، و أمام حيرتى وقلة حيلتي، رفع أحدهم الممر ،  وجذب آخر القارب نحو البر، فقفزت إلى المركب سريعا ، و قلبى ينتفض كطفل شاهد حادثا مريعا، وما أن تنفست الصعداء، حتى وجدت صوت الست ينساب إلى سمعى كعذوبة الماء، كانت تشدو بأغنية "بعيد عنك", فقلت لأحدهم إرفع الصوت من فضلك، وتركونا وصعدوا سريعا للبر، وطمأنونا أننا سنتحرك بعد أن يكتمل العدد من غير شر، لم  يكن غيرنا بالمركب ، وكان علينا الإنتظار حتى يكتمل الموكب، إنتهت أم كلثوم من أغنيتها, وبدأ عبد الوهاب يضفى على الجلسة قيمتها، إنتهى عبد الوهاب ولم يأت أحد، فإستعنا بالواحد الصمد، فقد بدأ الطفلان فى صياح،  يشبه صوت النباح، و مع ذلك إستمتعنا بوصلة نجاة فقد غنت كأروع ما يكون ، ثم إنتهت وبدا صوت فريد يعلو كعاشق مجنون، إنتهى فريد وبدأت فايزة فى الغناء،  فأحسست بإحساس ماعز تقول من الضجر ماء، وألقيت بنظرى إلى البر، فوجدت الجماعة يتبعون مع المشاة سياسة الكر والفر، و أزعم أنه لفرط إلحاحهم وسماجتهم، قد تتهافت عليهم شركات "التايم شير" دون النظر إلى رواتبهم، ولن ينتظروا حتى إقرار الدستور، فيما يتعلق بالحد الأقصى للأجور، ومع ذلك كان المارة غاية فى الشطارة، و يتفادونهم بمنتهى المهارة، وبعد شد بيننا وجذب، قررنا أن نغادر قبل أن نبتلع وحدنا كل مياه النهر العذب، فنادت أختى أحدهم يا صاح, لقد حان وقت المرواح، فإذا بملامحهم تتبدل, والشراسة إلى وجوههم تتسلل، ونزل أحدهم إلى القارب، وقد تدلى على وجهه الشارب،وقال يمكنكم أن تتحملوا وحدكم ثمن الرحلة، و أعتقد أنها فكرة معقولة وسهلة، فرفضنا عرضه بالطبع، وسكتنا وكأننا قد إحتسينا كوبا من الصمغ، فقد إستبد بنا الخوف، فقد يقذفوا بنا إلى سطح الماء ككرة جولف، وهنا تبدلت الأحوال، ولم يعد بيننا وبينه ثمة حوار، فقد خلع عباءة رشدى أباظة "الجنتل مان"، ولبس عباءة مجرم عنتيل خرج لتوه من اللومان، فقلت له بأدب ورقة: بليز إرفع الممر لأعود من نفس السكة، فدس يديه فى جيوبه ناظرا للأعلى بعنجهية، ذكرتنى بكبار المسئولين فى صورهم الرسمية، وقال لى كما لو كنت أبيع فى السوق بامية ، ماتعدى ياست هى كيميا، (ست وكيميا !!) بعد أن نزلت ضكتورة أد الدنيا! فحملت منال الصغير على، وهى تقول فى نفسها ربنا عالمفترى، ثم نظرت إلى مودعة، بينما أنا فى حالة مفجعة، حتى أختى باعت إبنها وباعتنى, وصعدت للأعلى وتركتنى !!! 

وإنتظرت أن يطلب يدى ولو كان طلبها وقتها على سنة الله لم أكن لأتردد, فموقف كهذا لا يجدى معه أن أتعالى و أتبغدد، ولكنه لم يفعل فأدركت أن حلاوة الروح، قد تدفعنى إلى أن أترجى هذا اللوح،  فنظرت إلى الطفل ثم إليه، لعله يحمله عنى وهى مهمة سهلة لديه، وبجرأة لا تقل عن جرأة المشير، اثناء ثورة التحرير، قررت أن أستعين ببيت من الشعر المتين ، لعل قلبه يرق ويلين، فقلت مترجية، و أنا أحاول أن أتذكر بيتا من أشعار أبى العتاهية، طب شيل الواد م الأرض، طب إدى الواد لأبوه، وهنا كاد أن يجرى ورائى لأغنى ظلموه، فجريت سريعا ممسكة بالولد نحو الممر، كفأر مذعور شاهد ذئبا أمامه قد مر، وأغمضت عينيى ونطقت الشهادة، وأنا على ثقة أنهم بعد دقائق سيوزعون على روحى بيتزا مرجريتا مع القهوة السادة، ولكن بحمد الله تمت المهمة ووصلنا إلى الشط، و إندفع أحمد إلى أحضان أمه و نط، أما أنا فقد رحت أغنى  و أصفر، بنفس الهمة التى كتب بها القذافى كتابه الأخضر، وسمينا وعدينا وإيد المولى ساعدتنا، وطلعنا من الليلة بعد ما الرجالة باعتنا، ولو اتكررت تانى، فى الفلكة اربطونا ساعتها.
---------------------
بقلم: أماني قاسم

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف